لماذا التفكير السليم؟
إنّ أبناءنا يحتاجون منّا أن نُعلِّمهم كيف يفكِّرون بشكل سليم يساعدهم على حل المشكلات التي تقابلهم على مدار اليوم. وهذا الأمر يحتاج منّا أن نُعوِّد أنفسنا أوّلاً على التفكير السليم، وسينتقل ذلك بشكل تلقائي لأبنائنا ليكون نمطاً سائداً في حياتهم، حيث إنّنا نحتاج إلى جيل يتعوَّد التفكير السليم ويحسن استخدام ما حباه الله به من نِعَم.. العقل إحداها.
وكم رأينا من مشكلات على مستوى الدول وعلى مستوى الأفراد قد تفاقمت حتى نشبت حروب ونزاعات بسبب المستوى المتدني للتفكير في حل المشكلات.
طرق التفكير السليم:
وأبناؤنا يحتاجون إلى ألعاب ومهارات تنمي عندهم التفكير السليم، فألعاب مثل المتاهات ليس فيها قوّة بدنية، بل صبر وإعمال حقل حتى يصل إلى مراده، ومثلها الألغاز والشطرنج والفك والتركيب والبازل وبعض ألعاب البلاي ستيشن ينبغي أن تشغل من عقل الطفل وتفكيره وقتاً مناسباً ليتعلَّم من خلالها كيف يفكر بشكل سليم ليحقق ما يريد ويصل إلى مبتغاه. وتبرز في مثل هذه الألعاب ما يُسمى بالحلول البديلة، وهو ما يجب أن نُعوِّد أبناؤنا عليه في جدّهم ولعبهم، مما يعطيهم مرونة أكثر في التفكير.
ومما يُعلِّم الأبناء التفكير السليم ألّا ننوب عنهم في أمر خاص بهم، فنترك الطفل يُعبِّر عن نفسه ويعرف نفسه للأصدقاء والضيوف، ونعلِّمه أنّ الإنسان يفكِّر بشكل سليم ويتحمّل المسؤولية عن قاراته ويستفيد من أخطائه؛ ولكن لا يكون ذلك بروح الشماتة منّا، بل بروح التوجيه والتعليم بلا تعنيف، فنقول له: الآن هيا نتحدّث معاً.. أنت قررت فعل كذا أو اخترت حل المشكلة بهذه الطريقة فحدث من الأخطاء كذا وكذا وذلك لأنّك لم تضع في حساباتك كذا، ولم تفعل كذا وكذا وفي المرّة القادمة حاول أن تتفادى ذلك.
ولا تكون التوجيهات كثيرة ومملة، بل جذابة وقليلة وتشجيعية على المزيد من التفكير السليم واتخاذ القرار المناسب.
واستخدام الورقة والقلم مهم جدّاً للتفكير السليم، إذ إنّ تدوين المعلومات وتحليلها والربط فيما بينها واستخراج المناسب منها وغير المناسب ومعرفة السلبيات والإيجابيات.. كلّ ذلك من عوامل التفكير السليم، كما أنّ وضع الأفكار على الورق يوضحها عياناً ويخرجها من حيز التزاحم في العقل ويركز على المهم منها. ولذلك ينبغي علينا تعويد أبنائنا استخدام القلم والأوراق في تدوين الأفكار وحل المشكلات والتخطيط السليم عند الذهاب إلى أحد المتنزهات أو شراء أحد الأجهزة المنزلية أو اتخاذ أي قرار وعند تنظيم الوقت وتحديد الأولويات وغير ذلك.
والتقييم السليم من التفكير السليم، فإن ذهبت الأسرة مثلاً لمصيف وعادت منه وأرادت أن تُقيِّم الرحلة فلنُعوِّد أبناءنا حينئذٍ كيف يُقيِّمون بشكل إيجابي هادف، فلا يقول أي منهم ما يخطر بباله أو يركز أحدهم على السلبي وما لم يعجبه فيها، بل يجلس الجميع ويحضرون الورقة والقلم ويبدأ الحديث عن الإيجابيات فقط ويتم تدوينها، ثمّ يكون الحديث عن السلبيات فقط ويتم تدوينها أيضاً، ثمّ يكون الختام بالتوصيات والاقتراحات للرحلة القادمة ويتم تدوين كلّ ذلك وحفظه ثمّ إخراجه من أجل قراءته في الرحلات القادمة أو الأعمال المشابهة ليتعوّد الأبناء كيف يتخذون قراراتهم وكيف يدونون أفكارهم ومقترحاتهم وكيف يستفيدون من الخبرات المتراكمة لديهم من أجل تحسين أدائهم أوّلاً بأوّل.
وليعلم الأبناء أنّ الإنصات الجيِّد يساعد على التفكير السليم، فليس الكلام الكثير والإسراع في الرد ومقاطعة المتحدث إلّا مدمرات للتفكير السليم وحرمان الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم.. فلنُعوِّد أبناءنا حسن الاستماع ولو لرأي قليل الأهمية أو يبدو فيه الخطأ، ومن الممكن أن نجرب ذلك بأن تقول الأُم شيئاً يكون الرد عليه سريعاً ونعلم مَن يرد من أبنائنا دون تفكير أن يأخذ نفساً عميقاً أوّلاً ثمّ يصمت بضع ثوان ويفكر في مخيلته بمثل قول: ولِمَ لا؟ وما المانع؟ وماذا لو جرَّبنا؟ وغيرها من الأسئلة التي تعلم احترام الرأي الآخر وضبط الانفعال، وكلّها من عوامل التفكير السليم ويحسن بنا نحن أيضاً أن نرد عليهم بأناة وروية عندما يقول أحدهم رأياً غريباً ونعلمهم من خلال قولنا: ولِمَ لا؟ رأيك هذا يمكن وضعه في الاعتبار؛ ولكن تفعل كذا وكذا أوّلاً.. رغم أنّه كان ينتظر الغضب والانفعال السريع العنيف تجاه رأيه الذي قاله ربما بغرض الاستفزاز والاستثارة فقط، فلمّا وجد الهدوء وضبط النفس شعر بالاطمئنان بما يحثه على الإبداع وحُسن الإنصات إلى الآخرين مهما كانت آراؤهم ساذجة.
ثمّ نُعلِّم أبناءنا أن يتحمّلوا نتيجة أخطائهم وقراراتهم بشكل إيجابي، حيث إنّ الذي يُفكِّر يمكن أن يخطئ، أمّا الذي يعطل ما وهبه الله من إمكانات عقلية فلن يتعلّم أو يخوض تجربة، أمّا الذي يفكِّر ويبدع فيمكن أن يخوض تجربة فاشلة أو يتخذ قراراً غير صائب فما عليه إلّا أن يستعد من الناحية النفسية ليتحمّل مسؤولية ما قرر وما خطط، فتحمل مسؤولية الأفعال هي إحدى سمات الناجحين والمتميزين.
ومن التفكير السليم أيضاً أن نُعلِّم أبناءنا ذكر البدائل للاختيار منها، فإنّ من السهل ذكر رأي واحد وكفى؛ ولكن الأصعب منه هو تعدد الآراء ومن ثمّ تعدد الاختيارات بعد التفكير في الأنسب منها.
وكذلك ينبغي أن يتعلَّم الصغار ترتيب الأفكار والبدء بالأهم فالمهم، وكذلك يتعلَّمون النظر لأجمل ما في الأشياء وليس أسوأ ما فيها وإن كان الأسوأ هو الأكثر وضوحاً، إذ إنّ التفكير السليم لا يكون إلّا من خلال النظر لأجمل الأشياء وأفضل ما في كلّ منها، ولنعطِ أبناءنا كوباً ممتلئاً نصفه بالماء ونعلّمهم أنّ النظر إلى نصف الكوب على أنّه ممتلئ أفضل من النظر إليه على أن نصفه فارغ، فهذا من التفكير السليم.
أمّا التعميم، فهو يشل حركة التفكير السليم. ولنشجع الأفكار المبتكرة لدى الأبناء، بل نشجع كلّ مرّة ينجزون فيها شيئاً يفكرون فيه بطريقة سليمة ولنعلّمهم التفكير الإيجابي ولنسألهم كثيراً عن آرائهم قبل أن نقول نحن آراءنا.. فما أجمل أن يسمع منّا أبناؤنا: وما رأيك أنت؟ وماذا تقول لو حدث كذا؟ وهل تقترح شيئاً آخر؟
الكاتب: محمد سعيد مرسي
المصدر: كتاب كيف تكون أحسن مربي في العالم؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق